نبذة عن الشيخ طنطاوى جوهرى

TantawiGawhari2-modifiedلقد حظيت العقود الأولى من القرن العشرين بوجود العديد من العقليات الدينية والسياسية والأدبية المتفتحة الواعية التى أثرت هذه الفترة بما عرف فيما بعد بعصر التنوير. وقد كان على رأس أسماء هذه الفترة الإمام محمد عبده والزعيم مصطفى كامل والكاتب أحمد لطفى السيد. وقد كان من نتاج هذه الفترة أيضاً الشيخ طنطاوى جوهرى (1940 – 1862 ) الذى يعتبر مثالآً فريدا للشيخ الأزهرى والعالم الشامل الذى يجمع فى علمه بجانب المعرفة الدينية من فقه وتفسير ، الجوانب الأخرى من علوم طبيعية مثل الفلكوالنبات والجغرافيا ، انطلاقا من حبه للتأمل فى الكون وقوانينه كجزء من الدين.

وقد بلغت مؤلفات الشيخ طنطاوى جوهرى ما فوق الثلاثين كتابا ، أهمها تفسيره للقرأن الكريم والمسمى “بالجواهر” وكذلك كتاباه “أحلام فى السياسة” و ” أين الإنسان” وهما كتابان يدعوان للسلام العالمى مما حدا بالحكومة المصرية للتقدم باسم الشيخ طنطاوى للترشيح لجائزة نوبل للسلام بنأً على ترشيح الدكتور مصطفى مشرفة عميد كلية العلوم انذاك والدكتور عبد الحميد سعيد عضو البرلمان ورئيس الجمعية العالمية للشبان المسلمين. إلا ان القدر عاجل أستاذنا حيث أن جائزة نوبل لا تمنح إلا لعبقرى يكون على قيد الحياة.

وقد كانت معرفة الشيخ محمد عبده بالشيخ طنطاوى عن طريق إطلاعه على كتابين نشرهما ، أحدهما كتاب “جواهر العلوم” ثم قابله وأثنى عليه وقال : “فلنخرج كتبا شتى لا كتابين اثنين” وأما الزعيم مصطفى كامل فقد طلب مقابلة الشيخ طنطاوى وقال له: “بمثلك ترقى الأمة” وهو أول من سمى الشيخ طنطاوى باسم “حكيم”.

مولده ونشأته الأولى

house_outside_bigنشأ الأستاذ الشيخ طنطاوى جوهرى فى قرية ” كفر عوض الله حجازى ” من أعمال مديرية الشرقية بالقرب من الآثار الفرعونية فى “بوباستس” ( تل بسطه ) جنوب شرق الزقازيق، وعوض الله حجازى هو جد الشيخ طنطاوى لأمه، وقد ولد فى هذه القرية فى سنة 1862 م ، واشتغل ف مبدأ أمره بالزراعة مع أسرته التى كان لها اتصال حميد بعلماء الجامع الأزهر يفدون كل عام على سراة الأسرة وأكابر بلدة ” الغار ” التى فيها أسرة أخوال والدته، فأثر ذلك كله فى والده، فأرسله الى ” كتاب ” القرية ليحفظ فيه القرآن.

وكان الشيخ محمد شلبى عم الشيخ طنطاوى رجلا صالحا تقيا محبا للعلم والعلماء، مغرما بمجالسهم، وهو الذى أشار على أخيه الشيخ جوهرى بارسال أبنه الى الأزهر، ليتعلم الفصاحة والبلاغة وعلوم الدين.لذلك أصغى لقول أخيه الشيخ محمد شلبى الذى كانت له الكلمة المسموعة فى بلدته، وعلى ذلك أرسل الشيخ جوهرى أبنه ” طنطاوى” مع أولاد أخيه للجامع الأزهر.

وبعد سنوات قضاها طنطاوى فى الأزهر درس فيها اللغة العربية والفقه الاسلامى ومذهب الامام الشافعى والعلوم الأخرى من نحو وتوحيد وعروض وبلاغة الخ وقعت الواقعة بنزول البلاء، فسلب الزمان ضعف ما وهب، فقد مرض الشيخ طنطاوى مرضا شديدا اضطره الى الانقطاع عن الأزهر والتوقف عن الدراسة فيه، وعاد الى أسرته فى القرية حيث وجد أباه أيضا يعانى من المرض، واضطر الى البقاء مع أسرته الفقيرة لمساعدتها بالرغم من مرضه، وأخذ يعمل مع الفلاحين فى الحقول بنفسه، ويداوى مرضه بالعقاقير التى كان يقرأ عنها فى كتب الطب القديمة، ويداوى كذلك والده.

وفى أثناء مزاولة الشيخ طنطاوى عمله فى الزراعة واشتغاله بالفلاحة اكتسب نزعة جديدة اتجه فيها الى البحث عن وجود الله، فقد تجلت له الطبيعة بأجلى مظاهرها، وانفتحت لبصيرته أبواب العلوم، هنالك أخذ ينظر الى الأشجار والأزهار والحقول من حيث منافعها الطيبة لمرضه الذى ألم به وبوالده، ومن حيث دلالتها على المبدع الخالق. ولم يقتنع بالأدلة التى أثبتت وجود الله فى الكون، فعكف على الصلاة وقراءة تفسير الجلالين، وفى النهاية بفضل الراحة التى أحسها بين أحضان الطبيعة وبفضل صلواته وتأمله الخاشع – زالت أزمته النفسية.

ولقد كان الشيخ طنطاوى يتمتع بخيال الشعراء ومواهبهم، ولم يطغ على استعداده للشعر الا استعداده العلمى للنظريات الكونية، ولقد حدثنا بحبه للطبيعة فقال: ” لما كنت فى الأزهر كنت أحس بميلى الشديد الى الكواكب والنجوم، وكم ليلة قضيتها أحلق فيها معجبا بجمالها وأحسـسـت فى نفسى بحزن عميق لجهلى بهذه الأكوان..الخ!”

وكان فى نظره الى جمال الكون وبهجة الطبيعة يدعو الله أن يشفى له والده، ويعيد اليه صحته، ويعيده هو الى الجامع الأزهر، واسـتجاب الله لدعوته، وعاد الى الأزهر ثانية بعد ثلاث سـنوات قضاها فى قريته عشـق فيها الطبيعة وجمالها.

ومكث فى الأزهر أربع سـنوات وطد فيها أواصر الصلة بينه وبين أسـتاذه الشـيخ عل البولاقى أسـتاذ الخطابة الذى وجد عند الشيخ طنطاوى رغبة ملحة فى تعلم الفلك، فأعاره كتابا كان يقتنيه خاصا بهذا العلم، ليقرأه فى أثناء اجازة نصف السـنة، وينقل أو يحفظ منه ما يشـاء، ثم يعيده له ثانية.

ووجد الشيخ طنطاوى فى هذا الكتاب بغيته من أسـماء الكواكب والمعلومات الفلكية الطريفة، وكانت سـعادته لا توصف اذ هيأ الله له الحصول على هذا الكتاب القيم.

ثم انتقل الى مدرسـة ” دار العلوم ” حيث التحق بها عام 1889، وظل يدرس بها حتى تخرج منها عام 1893 مع ثمانية من زملائه لعل أبرزهم سـواه المرحومان أحمد زناتى بك وعبد الرازق القاضى بك. وهناك درس مبادئىء المواد الحديثة التى لم تكن مقررة فى الدراسات الأزهرية: كالحساب والهندسة والجبر والفلك وعلم النبات والطبيعة والكيمياء، ودرس فقه الحنفى على الأستاذ الشيخ حسونة النواوى ترشيحا للقضاء.

حياته العملية

TantawiGawhari3تخرج الشيخ طنطاوى من دار العلوم وعين مدرسا بمدرسة دمنهور الابتدائية مدة ثلاث أشهر، ولما تغيرت وزارة رياض ( باشا ) وغادرها ابراهيم بك مصطفى نقل الى المدرسة الناصرية الابتدائية بالجيزة، وهناك لم يطب له المقام لما وقع بينه وبين ناظر المدرسة من خلاف، فدعت الحال الى نقله لمدرسة الجيزة ثم المدرسة الخديوية بدرب الجماميز حيث بقى فيها عشر سنين من سنة 1900 الى سنة 1910، وفى أثناء وجوده بها عكف عل تعلم اللغة الانجليزية حيث أتقنها واختلط بكبار الانجليز وترجم من مؤلفاتهم ولا سيما من مؤلفات اللورد افبورى. كما ترجم ( شعرا ) بعض أعمال الشعراء الانجليز التى نشرها أحد تلاميذه..

ولما تولى أحمد “باشا” حشمت نظارة المعارف العمومية عين الشيخ طنطاوى مدرسا للتفسير والحديث سنة 1911 بمدرسة دار العلوم، واختير أيضا ضمن هيئة التدريس بالجامعة المصرية القديمة حين انشائها ليلقى بها محاضرات على طلابها فى الفلسفة الاسلامية خلفا لسـلطان ” بك ” محمد، وفى ذلك الحين طلب للقضاء ولم يقبل.

ولم يكن الشيخ طنطاوى عالما كسائر العلماء، بل كان ممتازا فى كل النواحى، فهو عالم دينى اسلامى وطنى، وهو عالم اجتماعى عالمى، جمع بين الثقافتين الدينية والحديثة، ومزج المسـائل الدينية بالآراء والسياسة.

وانتقل الى مدرسة العباسية الثانوية بالاسكندرية، وهناك انتهز فرصة وجوده بهذه المدينة فكون جمعية من الطلاب أسماها ” الجمعية الجوهرية ” وكان لها أثرها فى بث الوعى القومى والثقافى بين الشباب الاسكندريين.

وفى اكتوبر عام 1917 دعى الى القاهرة للتدريس بالمدرسة الخديوية ثانية، وفى عام 1919 وفى أثناء المظاهرات التى قامت ضد الانجليز – قام ” البوليس ” بتفتيش مسكن الشيخ طنطاوى ( بشارع زين العابدين رقم 8 ) لما عرف عنه من وطنيته وتحمس لقوميته، ولما اشتهرت به مقالاته التى كان ينشرها فى جريدة ” اللواء ” عن الأمم المستعبدة والأمم المسـتضعفة، ووسائل الاصلاح.

وقد حدث قبل ذلك أن جاء المرحوم الشيخ محمد عبده من منفاه، وأخذ يدرس للناس علم التوحيد بطريقته المبتكرة وأقبل الناس عليه. ثم ابتدأ المرحوم مصطفى كامل ” باشا ” فى الدعوة الوطنية وانشاء جريدة اللواء. ووقعت مقالات للشيخ طنطاوى باللواء وأخرى بجريدة ” الفلاح ” وكتاب ” جواهر العلوم ” بيد الاستاذ المرحوم الامام الشيخ محمد عبده فعرف الشيخ ” طنطاوى ” بمقالاته وكتاباته، ثم قابله وشجعه كثيرا وأثنى عليه، وقال: فلنخرج كتبا شتى لا كتابين أثنين ” .

أما المرحوم مصطفى كامل فقد طلب مقابلة الشيخ طنطاوى وقال له: ” بمثلك ترقى الأمة ” ، وطلب منه أن يؤلف كتابا على هيئة مقالات فلبى الشيخ طنطاوى دعوة فقيد الأمة والوطنية والهمة العالية والنفس الأبية، وكتب ستين مقالة ونيفا أرسلها الى اللواء. فكتب صاحب اللواء العنوان لتلك المقالات بيده هكذا:

نهضة الأمة وحياتها
لحكيم من كبار الحكماء

والمرحوم مصطفى كامل أول من سمى الأستاذ الشيخ طنطاوى باسم ” حكيم ” ، ولا عجب اذ أحدثت المقالات المذكورة ضجة فى البلد وقامت الأمة الحاكمة المستعمرة بترجمة أكثر هذه المقالات دون أن تعلم: من الذى كتبها؟

وقد بلغت مؤلفات الشيخ طنطاوى جوهرى ما فوق الثلاثين كتابا ، أهمها تفسيره للقرأن الكريم والمسمى “بالجواهر” وكذلك كتاباه “أحلام فى السياسة” و ” أين الإنسان” وهما كتابان يدعوان للسلام العالمى مما حدا بالحكومة المصرية للتقدم باسم الشيخ طنطاوى للترشيح لجائزة نوبل للسلام بناء على ترشيح الدكتور مصطفى مشرفة عميد كلية العلوم انذاك والدكتور عبد الحميد سعيد عضو البرلمان ورئيس الجمعية العالمية للشبان المسلمين. إلا ان القدر عاجل أستاذنا حيث أن جائزة نوبل لا تمنح إلا لعبقرى يكون على قيد الحياة.